بعد عام من فرار الشيخة حسينة.. كيف يهدد غياب العدالة الحقوقية مستقبل الديمقراطية في بنغلاديش؟

بعد عام من فرار الشيخة حسينة.. كيف يهدد غياب العدالة الحقوقية مستقبل الديمقراطية في بنغلاديش؟
محمد يونس في بنغلاديش

بعد عام من رحيل الشيخة حسينة واجد، الزعيمة التي حكمت بنغلاديش بقبضة من حديد لمدة 15 عامًا، تجد البلاد نفسها على مفترق طرق، فما كان يُنظر إليه على أنه فجر جديد للديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، بعد حراك شعبي حاشد أطاح بحكومة اتهمها الآلاف بالاستبداد، يبدو اليوم أملًا مجهضًا.

ونجحت الحكومة المؤقتة، بقيادة الحائز جائزة نوبل محمد يونس، في إنهاء بعض أشكال القمع السابقة، لكنها فشلت حتى الآن في تقديم إصلاحات هيكلية تضمن عدم عودة تلك الممارسات. إن البلاد، رغم التغير في القيادة، لا تزال تواجه تحديات هائلة، من عنف سياسي متصاعد، إلى غياب العدالة، ما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل حقوق الإنسان في هذا البلد الآسيوي المكتظ بالسكان.

في هذا التقرير تتعمق "جسور بوست" في أزمة حقوق الإنسان المستمرة في بنغلاديش، مستندًة إلى تقارير موثوقة من منظمات دولية ومحلية، وإحصاءات حديثة، وخلفيات تاريخية تكشف عن عمق الأزمة وتحدياتها.

تؤكد منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها الأخير أن الحكومة المؤقتة "تقصر في تنفيذ أجندتها الحقوقية الصعبة". فبينما تلاشت مظاهر القمع الواسع، مثل "الاختفاء القسري"، وهو من أبرز سمات حكم حسينة، فإن ممارسات أخرى مقلقة قد ظهرت، وتظل أخرى مستمرة.

الاعتقال والانتقام السياسي

على الرغم من أن الهدف المعلن للحكومة المؤقتة هو تحقيق العدالة، فإن الممارسات على الأرض تُشير إلى تحول جديد في الاستخدام التعسفي للسلطة، فقد لاحظت هيومن رايتس ووتش أن الشرطة، في أعقاب أعمال عنف سياسية، اعتقلت مئات من أنصار حزب رابطة عوامي المحظور.

ورفعت عشرات الدعاوى القضائية ضدهم. والأخطر من ذلك، أن العديد من هذه القضايا تبدو ذات دوافع سياسية، حيث وُجهت اتهامات بالقتل لأشخاص كانوا خارج البلاد وقت وقوع الجرائم، ما يثير الشكوك حول نزاهة الإجراءات.

ورغم أن مقتل أكثر من 1400 شخص خلال احتجاجات العام الماضي يُعدّ مأساة كبرى، فإن الحكومة المؤقتة في بنغلاديش لم تُحاسب سوى 60 ضابطًا من الشرطة لدورهم في أعمال العنف الدامية، في حين أن العملية شارك فيها عشرات الوحدات الشرطية والعسكرية، هذا الفشل في تحقيق العدالة يُعدّ إفلاتًا من العقاب، ويُقوّض مصداقية الحكومة المؤقتة في عيون الشعب.

وعلى الرغم من تشكيل 11 لجنة إصلاحية لتقديم توصيات في مجالات مثل الشرطة والقضاء، لم تُعتمد هذه التوصيات بعد، كما أن الحكومة المؤقتة لم تتخذ خطوات جادة لضمان استقلال القضاء أو إصلاح قطاع الأمن، بما في ذلك حل كتيبة التدخل السريع سيئة السمعة، هذا التلكؤ يُعطي الانطباع بأن الحكومة المؤقتة عالقة بين ضغوط الأحزاب السياسية التي تسعى للانتقام، وبين قطاع أمني غير راغب في الإصلاح.

القمع في عهد الشيخة حسينة

لفهم التحديات الحالية، يجب النظر إلى الخلفية التاريخية لحكم الشيخة حسينة، فعلى مدار 15 عامًا، اتسم حكمها بالاستبداد، وقمع المعارضة، وانتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة، فقد استخدمت حكومة حسينة قانون الأمن الرقمي (DSA) بشكل واسع لقمع حرية التعبير، واعتقال الصحفيين والمعارضين السياسيين والناشطين على الإنترنت، كما وثقت منظمات حقوقية مئات الحالات من الاختفاء القسري للمعارضين، ما أثار قلقًا دوليًا واسعًا.

واتُهمت حكومة حسينة بالفساد، واستغلال النفوذ، ما أدى إلى غضب شعبي واسع، وأجّج الاحتجاجات التي أطاحت بها في نهاية المطاف.

لقد كانت هذه الانتهاكات هي الدافع الرئيسي وراء الحراك الشعبي الذي أطاح بحسينة، وكان الأمل أن تُقدم الحكومة المؤقتة حلولًا جذرية لهذه المشاكل. لكن يبدو أن هذا الأمل لم يتحقق بالكامل حتى الآن.

المضايقات ضد الأقليات

بالإضافة إلى استمرار بعض الممارسات السابقة، تواجه بنغلاديش تحديات جديدة ومقلقة تتمثل في عنف الغوغاء والعنف السياسي، ففي الأيام الأخيرة شهدت البلاد تصاعدًا في عنف الغوغاء، خاصة ضد الأقليات، على سبيل المثال: في مقاطعة رانجبور دمر حشد ما لا يقل عن 14 منزلًا لأفراد من الأقلية الهندوسية.

كما تستمر الانتهاكات ضد الأقليات في منطقة تلال شيتاغونغ، وهذا العنف يُظهر أن غياب سلطة الدولة القوية قد يفتح الباب أمام الفوضى، ويُهدد أمن وسلامة الفئات الضعيفة.

وعلى الرغم من رحيل الحكومة السابقة، فإن الصحفيين لا يزالون يواجهون مضايقات من قبل الأحزاب السياسية والجماعات المتشددة، مثل المتطرفين دينيّاً المعادين حريات المجتمع المدني، وهذا الوضع يُعوّق حرية التعبير، ويُقلل من قدرة الصحافة على كشف الحقيقة.

وعلى الرغم من التحديات، هناك بعض الإشارات الإيجابية التي تُشير إلى وجود نية للإصلاح فقد شكلت الحكومة المؤقتة لجنة للتحقيق في حالات الاختفاء القسري، وصادقت على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري. وقد جمعت اللجنة بالفعل أدلة مهمة، ما يُعدّ خطوة إيجابية نحو تحقيق العدالة.

كما قدمت 11 لجنة إصلاحية، بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ونشطاء، توصياتٍ مفصلةً، وهذه التوصيات تُعدّ خارطة طريق واضحة لإصلاح قطاع الأمن والقضاء والانتخابات، ما يُعطي أملًا في إمكانية تحقيق تغيير حقيقي في المستقبل.

من أجل بنغلاديش الجديدة

وفق منظمات حقوقية وإنسانية منها "هيومن رايتس ووتش" فإن بنغلاديش اليوم أمام فرصة تاريخية لبناء ديمقراطية حقيقية، تحترم حقوق الإنسان وتضمن العدالة للجميع، لكن هذه الفرصة مهددة بالتلاشي بسبب التلكؤ في الإصلاح، واستمرار الممارسات الانتقامية، وتصاعد العنف.

يجب على الحكومة المؤقتة أن تتحرك بسرعة لإنهاء الاحتجاز التعسفي، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات، وضمان استقلالية القضاء، والبدء في إصلاح قطاع الأمن، كما يجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والحكومات الأجنبية، أن يدعم هذه الجهود من خلال فرض عقوبات على مرتكبي الانتهاكات، ومقاضاة الأفراد المتورطين في جرائم خطرة، وربط مشاركة بنغلاديش في عمليات حفظ السلام بضمان المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية